“21” أكتوبر.. هل يحسم صراع المدنيين والعسكر
تقرير/ ود أبو حامد
ترتفع وتيرة التجاذبات السياسية في الساحة السودانية؛ حيث تحولت المعركة إلى الشارع في محاولة تحشيد الأنصار للمواجهة المحتملة في الحادي والعشرين من أكتوبر.. وفي الوقت الذي نَصَب فيه موالون للحكم العسكري خيام معسكرهم أمام القصر الجمهوري وأعدوا العدة لبقاءٍ طويلٍ ينتهي أمده برحيل حكومة عبدالله حمدوك، اشتدت وتيرة الاستعداد وسط مجموعة من الأجسام المهنية، واللجان التسييرية والتمهيدية للخروج في الموكب السلمي من أجل دعم التحول المدني الديمقراطي الكامل، والتصدي لأي محاولة لإجهاض الانتقال.
وانتقلت قيادات من الحرية والتغيير إلى ود مدني حيث احتشدت جموع المناصرين أمام مقر لجنة التمكين لتأكيد جاهزيتهم وتمسكهم بـ”المدنية” قراراً للشعب.. ومن بينهم جعفر حسن عثمان الناطق الرسمي باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، الذي طالب القائلين- دون تسميتهم- بوجود طريق غير طريق الثوار، أن يروهم أين هذا الطريق..
وسخر “عثمان” من دعاوى التغيير الذي لحق الثورة السودانية وأنها لم تعد كما كانت عليه في 19 ديسمبر، مؤكداً استمرار، وتماسك، وقوة، ومُضي الثورة السودانية شريطة ألا يتدخل أحد بينهم وبين الثوار. مضيفاً أنهم لن يسمحوا لـ”بوت” أن يتدخل بينهم كقوى مدنية، وقوى ثورة..
ويرى أن نقاشات الحرية والتغيير، وما تشهده من شن حملات عليها في وسائل التواصل الاجتماعي، أدت لفهم الرسالة بصورة خاطئة، والاعتقاد بأن الشعب لم يعد يريد المدنيين؛ وعلق بقوله: “فهمت غلط يا عمك”.. مضيفاً: أن فحوى الرسالة هو أن الشعب السوداني من أتى بالمدنيين وهو من يحاسبهم.. واعتبر الشعب السوداني وصياً على نفسه، وعلى بقية مؤسسات الدولة وليس أي جهة أخرى..
وكلما بدا سخط من أسماهم عثمان “الانقلابيين” يتأكد له أنهم يعملون بطريقة صحيحة، والرجل لم يخفي سعادته بسخط الإنقلابيين على مستوى السودان.. وفنّد مزاعم الضعف الذي اعترى قوى الحرية والتغيير التي قال إنها قوية بهذا الشعب رغم بعض المآخذ عليها؛ ولكنها لا ترقى إلى درجة الوصف بالخيانة..
وثمة مراحل يؤكد الناطق الرسمي بأنه قد تم الإعداد لها بعناية؛ بدأت بتجريم قيادات الثورة، وتخوين الأحزاب السياسية، وإحداث الإنقسام بين لجان المقاومة بزرع الوقيعة بينها وبين القوى السياسية، تليها مرحلة الإعلان بأن الثورة أصبحت من الماضي، غير أنه جزم بأن ثورة ديسمبر محمية..
واسترجع “عثمان” اللحظة التي تم فيها فض الاعتصام، وإراقة دماء أبناء الشعب السوداني، وما أعقبها من إعلان إلغاء مسار التفاوض مع الحرية والتغيير، والدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط لمدة تسعة أشهر، يليها إعلان انتخابات مبكرة، حيث استفز ذلك الشعب السوداني ودعاه لـ”تتريس” البلاد بشكل شبه كامل..
وامتدت إشارات المتحدث إلى اعتصام القصر، والمجموعة التي تم التغرير بها عقب الثورة مباشرة بالإغراءات المالية وجرّها إلى منطقة بري؛ حيث تعرضت للاعتداء والطرد، ليتكرر ذات السيناريو حالياً أمام القصر برعاية الفلول الذين أعادوا تجميع ذات المجموعة المعتادة على “الغمتة في الجيب” حسب وصفه، وهذه واحدة من العيوب التي رآها “عثمان” في الحكومة الانتقالية لجهة أنها لا تملك مالاً خارج الدورة المحاسبية لتدفعه لأحد..
ويتقاطع الاستقرار الذي بدأ يشهده الاقتصاد السوداني والمؤشرات الجيدة التي حققها، مع مصالح تجار الحروب.. يسبق ذلك ما ورثته الإنقاذ من مديونيات تتجاوز (60) مليار دولار سرقها من وصفهم الناطق الرسمي بالمتردية، والنطيحة، والقاصية، والمنخنفة وحولوها لعقارات شخصية خارج البلاد.. ورغم أن الحكومة في نظره قد أنجزت الكثير غير أنها لا تخلو من عيوب، ومع ذلك تظل الحرية والتغيير متمسكة بما نصت عليه الوثيقة الدستورية، وتجدد مطالبها للعسكريين بالإلتزام بها، وتسليم رئاسة المجلس الشرفية للمدنيين في مجلس السيادة؛ فلا تفريط- وفق تأكيده- في ذلك..
وما بين المكونين المدني والعسكري؛ مجالس مشتركة من بينها السيادة، والأمن والدفاع، والمجلس الأعلى للسلام، وهو ما يستدعي في نظر “عثمان” رفض الإملاءات، وعدم الاستئثار والإنفراد بالقرار من جانب العسكريين، ووعي الثوار بأن كل من ترفضه الجهات الإنقلابية يظل هو الأنسب للبقاء داخل السُلطة لقدرته على التعبير عنها..
وبعد أحداث الحادي عشر من أبريل؛ توزع الأمر بين المؤتمر الوطني، وأحزاب “تقعد بس” حسب تعبيره، فالأول شمله الحل والإلقاء في مزبلة التاريخ بقوة القانون، فيما تم منع الآخرين من المشاركة في السلطة الانتقالية.. ولكن ظهرت محاولات من أشخاص- لم يسمهم- للتلبيس على الناس بحقهم في الدخول.. ويؤكد “عثمان” أن القوى المحالفة للمؤتمر الوطني مُحرم عليها دخول الحكومة، وعليهم انتظار حظوظهم في الانتخابات، فلم يعد هنالك مجال للاسترزاق بالسياسية.. وبنى الفلول استراتيجيتهم على إغراق الحاضنة السياسية بعناصر ومجموعات لخلق مشاكل داخلية، وتحقيق إنقسام التحالف السياسي لاتخاذه ذريعة للتشكيك في القوى المدنية، وصناعة أزمة دستورية تمهد لإعلان مخططاتهم.. وفي الوقت الذي مُنِع فيه محامون من رفع مذكرة، أُتيح المجال لمجموعات أخرى للتخييم أمام القصر، غير أن الناطق الرسمي يجزم بأن هذا المُقام لن يطُول.. مذكراً المعتصمين في القصر بأن من أتى بهم سيعمد إلى بيعهم كما باع الذين من قبلهم.
وما بعد سقوط النظام بحسب المُتحدث؛ خرجت الجبهة الثورية وأسست منبراً منفصلاً باسمها لظروف تخص التفاوض ما بين تحالف الحرية والتغيير، ونداء السودان، بجانب تفرُع قضاياها، وأجروا لقاءاتٍ في أديس أبابا، والقاهرة، وجوبا، وبموجبه تم اتفاق السلام.. وعندما وقعت الحرية والتغيير على الوثيقة الدستورية، كانت من غير الجبهة الثورية..
وفي نظره أن قوى الحرية والتغيير الموجودة على الأرض الآن؛ أكبر منها في ١١ ديسمبر حينما أُسقط النظام، وهي رسالة أراد أن يبعث بها لمدعي تشتت الثورة، وضعفها، وقلة عددها.. وإن بدت أحزاب مثل الأمة، والاتحاديين، والحركة الشعبية، والمؤتمر السوداني، بالإضافة للتيار العروبي من بعثيين؛ وناصريين، قلة قليلة، وجب التساؤل كما أشار المتحدث، عن أين تكمن الكَثَرَة..
وعاد المتحدث للتحذير من إنقلاب الفلول على أنصارهم وحاضنتهم، في مواجهة الحاضنة المدنية التي ترعى التحول الديمقراطي..
وكأساس للأزمة التي تعانيها البلاد، يؤكد الناطق الرسمي عدم وصول المنحة الخارجية لخزينة الدولة؛ باستثناء برنامج “ثمرات”، وينتظر أن تُسهم المنح والورود الدولية، والالتزام العالمي، بالإضافة للمقومات الزراعية وعلى رأسها مشروع الجزيرة رافعة الاقتصاد الحقيقية، وعموده الفقري، يضاف إلى ذلك ميزة الانتماء للأرض، ينتظر أن تُسهم بحسب “عثمان” في إحداث تغيير انتظره الشعب طويلاً..