لوزة قطن الجزيرة.. تنقذُ السودان من استيطان اليهود في أرض النيل

0 233

د. الطيب علي عبد الرحمن

أعارني الأخ الأستاذ جاد الرب الطاهر “دبلوك” كتاب:(حركة مزارعي مشروع الجزيرة وامتداد المناقل) لمؤلفه الأستاذ صديق البادي، الباحث المثابر الذي أثرى المكتبة السودانية بعدة مؤلفات ولا زال يجتهد في المجال.

الكتاب يحكي سيرة رجال أفذاذ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هم قادة اتحاد المزارعين الذين قادوا كفاح المزارعين بما عرّضهم لملاحقة الإدارة البريطانية، إلا أن ذلك لم يفتّ من عضدهم رغم الاعتقال والسجون؛ لأنهم كانوا من طينة تشرّبت بالوطنية الصادقة، وظلوا يطالبون بإيفاء حقوق المزارعين حتى انتزعوها بعد الشقاء الذي عاناه المزارعون جراء السياسة الاستعمارية الجائرة التي حرمت المزارعين حقوقهم سنين عددا.

توقفت عند الموضوع الذي كتبه الأستاذ محمود أبو العزائم في صفحات الكتاب الأخيرة، وذلك في عموده الراتب (من بعيد ومن قريب) بصحيفة السودان الحديث ٢٩/٠١/١٩٩٣، والموضوع متعلق بمشروع الجزيرة من زاوية بعيدة وقريبة كما في عنوان العمود وفيه قال أبو العزائم:

1. أتاحت فرصة جمعت بعض وزراء عهد مايو، خبير منظمة الزراعة العالمية، والضابط الإداري أبو راحل يوسف الشوبلي، على وجبة عشاء بقصر الضيافة، وأن كل واحد منهم جاء إلى مهمة لا علاقة لها بما جاء من أجله الآخرون.

2. اندمجوا سريعاً مع بعضهم في نقاش حي تطرق لموضوعات وقضايا مختلفة حتى أذان الفجر.

3. من بين ما شد انتباه الحضور، ورفع النقاش إلى قمة الإثارة ما ذكره الضابط الإداري أبو راحل حول واقعة تاريخية ذات أهمية بالغة حين قال:

أ. شهدت الفترة 1910-1937 وجود أكبر الجاليات اليهودية العالمية في السودان بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الفترة التي أهملها المؤرخون والمثقفون.

ب. انتبهت الجالية اليهودية في السودان وشرعت في شراء أراضي الجزيرة، وتكتمت نواياها، خاصة أن الإدارة البريطانية كانت تخطط لإنشاء مشروع لزراعة القطن في الجزيرة ليمد مصانع الغزل والنسيج في “لانكشير”، وذلك تزامناً مع البدء في إنشاء خزان مكوار.

وهنا يستطرد الأستاذ أبو العزائم قائلاً: مكوار هذا كان عمدة المدينة، كان زعيماً قوي الشخصية؛ ومكان العقد والحل، وسعد كثيراً أن يحمل الخزان اسمه ما بقي الخزان يروي أرض الجزيرة، غير أن مهندساً سودانياً قد أوحى اليه أن مثل هذه التسميات في بلاد الإنجليز لها مقابل مادي يمنحه القانون، وعليه مطالبة الإدارة البريطانية بهذا الحق نظير إطلاق اسمه على هذا الخزان.

اتصل العمدة مكوار بمفتش المركز مطالباً بهذا الاستحقاق، وما أن خرج الرجل من مكتب مفتش المركز حتى أصدر الأخير منشوراً يعلن فيه نسبة اسم الخزان على المدينة التي يقع فيها (خزان سنار) على أن يعاقب كل من ينطق باسم مكوار مقترناً بالخزان.

واستكمالاً لحديثه عن تلك الواقعة أضاف أبو راحل:

ج. أنه اكتشف في مركز الكاملين قضية رفعها يهودي على ثلاثة سماسرة رمز لأسمائهم بالحروف الأولى: (ميم، ألف، ألف) وهم الذين باعوا ليهودي أرضاً زراعية وهمية تقع بين (أب ريا والتريا) أي توجد في فضاء هذين النجمين كما يعرفهما السودانيون.

د. تبين للسلطات البريطانية خلال التحريات أن الجالية اليهودية قد اشترت كل الأرض الزراعية الممتدة من سنار حتى بترى (أي كل أرض مشروع الجزيرة) وكان ذلك في العام 1914 وهو العام الذي توقفت فيه أعمال إنشاء خزان سنار بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

هـ. عندما تبين كل ذلك للإدارة البريطانية،صبرت على ما قام به اليهود حتى عام 1937، حيث أصدر السكرتير القضائي حكماً بمصادرة جميع الأراضي التي اشتراها اليهود، واقترن القرار بإخراجهم جميعاً من السودان، ولم يتبق منهم إلا بعض الأسر التي استثمرت أموالها بعيداً عن مشروع الجزيرة.

هذا من جانب؛ ومن جانب آخر ظلت الإدارة البريطانية تعالج تسجيل أراضي الجزيرة عن طريق المنشورات الإدارية التي ظلت سارية المفعول خلال الفترة 1914-1925،  وفي هذا العام الأخير صدر قانون الأراضي في عام 1925.

في ختام تعليقه على الموضوع الذي أثاره أبو راحل قال الأستاذ أبو العزائم: (المسألة تحتاج لبحث المؤرخين والباحثين خاصة أن السودان كان من الأقطار المرشحة لإقامة وطن لليهود إضافة إلى بولندا).

من جانبي أرى أن الموضوع الذي أثاره أبو راحل قد دفع بعدة أسئلة إلى صدارة المشهد، وهي الأسئلة التي تتطلب إجابات تُجلِي الحقائق:

1) هل كان شراء اليهود لأراضي الجزيرة تمهيداً لاستيطانهم في أرض الخير كما فعلوا في أرض فلسطين المحتلة؟..

2) هل كان قرار الإدارة البريطانية لإخراج اليهود من السودان مرتبطاً بالبديل وهو تعويضهم ب(وعد بلفور المشؤوم- وعد من لا يملك لمن لا يستحق) لتوطينهم في أرض فلسطين المحتلة؟

3)وهل ارتبط قرار الإدارة البريطانية بإخراج اليهود من السودان، تعويضهم ثمن الأراضي التي اشتروها في السودان؟

أخيراً…هل أنقذت لوزة قطن الجزيرة استيطان اليهود في السودان؟

ختاماً… سرني أن كلا مؤلف الكتاب، والضابط الإداري الذي أثار هذا الموضوع الحيوي، كان من طلابي النجباء بمدرسة حنتوب الثانوية، ومن هذا المنبر أُحييهما.

والله المستعان،،،

معلم بمدرسة حنتوب ومدير المدرسة1987

كاتب وباحث 0119088282

Leave A Reply

Your email address will not be published.